السبت، 28 يناير 2012

مولاتنا زينب الكبرى رضي الله عنها: الجزء الأول


 - إن البضعات الشريفات كلهن أدركن الإسلام، فأسلمن وهاجرن معه صلوات الله وسلامه عليه وعليهن، وتحملن في دعوة الإسلام ما تحملن وكن مثالا ساميا للمنافحات عن الدين، الراعيات للزوج والأسرة، الداعيات إلى الفضائل والمكارم.
 - ولادتها: ولدت السيدة زينب بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأدركت الإسلام وهاجرت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محبّا لها.
 - زواجها: وقد كانت أول بناته زواجا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أبو العاص بن الربيع من رجال مكة المعدودين –مالا وتجارة وأمانة- وهو ابن أخت خديجة، أمهُ هالة بنت خويلد أخت خديجة لأمها وأبيها، فسألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها، وذلك قبل أن ينزل عليه والوحي,فزوجه وكانت خديجة تعده بمنزلة ولدها.
 فلما أكرم الله نبيه بنبوته آمنت أمنا خديجة وبناتها رضي الله عنهن، فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بأمر الله تعالى: أتوا أبا العاص بن الربيع، فقالو: إنكم قد فرّغتم محمّدا من همه، فردوا عليه بناته فأشغلوه بهنّ، وقالوا لأبي العاص: فارق صاحبتك،ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت، فقال: لا ها الله إذا، لا أفارق صاحبتي، ولا أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه في صهره خيرا.
 - وجاء عنه أنه تذكر زينب وهو في تجارة في الشام:
 ذكرتُ زَيْنَبَ لمَّا ورَّكت( 1) إرما(2 )=فقلت: سقيا لشخص يسكن الحرما!
 بنتُ الأَمين جَزَاهَا اللهُ صالحةً=وكلُّ بعلٍ سيثني بالذي علما!
 - وفاؤها لزوجها: وكما كان أبو العاص بن الربيع وفيا لزوجه زينب، كانت هي كذلك له، فقد أبى أبو العاص أن يسلم بمكة وأقامت زوجه معه على إسلامها، حتى كانت معركة بدر، فحضرها أبو العاص في صفّ كفار قريش، فأسر فيمن أُسر منهم.
 فلما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وكانت فيه قلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى بها، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: "فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقّة شديدة، وقال للمسلمين: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها، فافعلوا" فقالوا : نعم يا رسول الله، فأطلقوه و ردوا عليه الذي لها.
 - هجرتها: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه عهدا،وعده بأن يخلي زينب لتلحق به، وكانت من المستضعفين بمكة من النساء، واستكتمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك. وبعث زيد بن حارثة، ورجلا من الأنصار، وقال: "كونا ببطن يأجج، حتى تمر بكما زينب، فتصحباها، حتى تأتياني بها" فخرجا مكانهما، وذلك بعد بدر بشهر أو قريب، فلما قدم أبو العاص بن الربيع مكة، أمرها باللحوق بأبيها فخرجت تجهّز.
 وقدم لها حموها، أخو زوجها وابن خالتها كنانة بن الربيع بعيرا فركبته، فأخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود بها في هودج لها.
 وتحدث بذلك رجال من قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى، فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود، فروعها هبار بالرمح وهي في هودجها -وكانت زينب حاملا - فلما ريعت طرحت ذا بطنها، وبرك كنانة بن الربيع ونثر كنانت أسهمه، ثم قال: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما، فتكركر الناس عنه.
 - وأتى أبو سفيان في جلَّة من قريش فقال: أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك، فكف. فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه، فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا، وما دخل علينا من محمد، فيظنّ الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا التي كانت، وأن ذلك منا ضعف ووهن، ولعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة، وما لنا في ذلك من ثؤرة -أي طلب الثأر- ولكن ارجع بالمرأة، حتى إذا هدأت الأصوات وتحدّث الناس أن قد رددناها، فسلّمها سرا، وألحقها بأبيها، قال: ففعل، فأقامت ليالي حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلا، حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-----
1- وركت: أي اضطجعت يقال ورك يرك وروكا: إذا اضطجع أي كأنه وضع وركه على الأرض.
 2- الإرم: الأحجار التي تنصب علامات في الطرق والمفاوز، الجمع أرام وإرم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق